الذكاء الاصطناعي في الأشعة. هل وظائفنا في خطر؟

قد لاتكون سمعت عن الذكاء الاصطناعي قبل عام 2015. وربما أنك اليوم لاتتصور تفاعلك اللحظي معه. فهذا ‘العقل الذكي’ يقترح عليك أفضل طريق في Google Maps و يحلل بكسلات كاميرا هاتفك ليتعرف على اللقطات. يقوم أيضا باقتراح المنتجات التي تفكر بشرائها ومن يجب أن تتابع في تويتر!

اليوم لايكاد يخلو مؤتمر علمي في تخصص الأشعة عن مشاركة حول الذكاء الاصطناعي. فحسب إحصائيات Tractica, يتوقع أن يكون حجم سوق الذكاء الاصطناعي في تخصص الأشعة الطبية أكثر من ٧٠ مليار ريال بحلول عام 2025. فهل كل هذه الضجة مجرد فقاعة؟ وكيف ستؤثر على عملنا والرعاية الصحية للمريض؟ وهل الذكاء الاصطناعي عدونا أم صديقنا؟

سأحاول في هذه التدوينة الإجابة على هذه الأسئلة ومناقشة الموضوع من منظور علم الأشعة الطبية.


لماذا نحتاج الذكاء الاصطناعي في الأشعة؟

ارتفاع ضغط العمل على أطباء الأشعة وتحسين دقة التشخيص هي أكبر العوامل التي دعت لتطوير الذكاء الاصطناعي في الأشعة. تشير تقارير مؤخرة إلى أن طبيب الأشعة عليه قراءة صورة كل 3-4 ثوان في مناوبة لمدة ثمانية ساعات لتلبية حجم الطلب المرتفع *، وهذا جنون!. كما أن أكثر من 66% من البشر في الكرة الأرضية لايمكنهم الوصول لمتخصصين في الأشعة لقراء صور بسيطة يمكنها أن تنقذ حياة الملايين من البشر. ولهذا تولدت الحاجة لتطوير تقنيات تحمل بعض أعباء العمل وتغطي الاحتياج الهائل.

بما أن الخطأ جزء من أي عمل، وتحديدا في وظائف تتطلب إدراك وقراءة بصرية لكشف العلامات والأنماط مثل طب الأشعة، فإن تقليل احتمالية الأخطاء في التشخيص دافع رئيسي آخر لاستخدام الذكاء الاصطناعي. تقول التقارير بأنه من المتوقع حصول أكثر من 40 مليون خطأ كل سنة (على الأقل!) في قراءة صور الأشعة *. خاصة وأن الأخطاء في تشخيص الصور ترتبط ب 10% من احتمالات الوفاة للمرضى *.

كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في الأشعة؟

يوجد عموما طريقتين، الأولى مبنية على تعلم الآلة Machine learning والثانية تعتمد على مبدأ التعلم العميق Deep learning. سأشرح كل واحدة منهم بشكل مبسط بالأسفل.

Fig. 2
الطريقتين الأشهر لتطبيق الذكاء الاصطناعي في تخصص الأشعة الطبية.*

 

تعلم الآلة Machine learning

في الطريقة الأولى يتم برمجة لوغاريثمات تقوم بالتعرف على أشكال معينة في الصورة تدل على طبيعة المرض. هنا يقوم طبيب الأشعة بـتعليم الآلة بأن هذا الشكل يدل على ورم مثلا وهذا الشكل الآخر يدل على مظهر طبيعي عن طريق تحديده على الصورة. يقوم المهندسون بعد ذلك بإغراق اللوغاريثمات هذه بآلاف وملايين الصور المعنونة لكي تدرسها و ‘تتعلم’ مظاهر محددة مثل الشكل في الأبعاد الثلاثة وتركيز البكسلات. ثم يختار الأفضل منها دقة للدلالة على طبيعة وجود المرض من عدمه.

التعلم العميق Deep learning

الطريقة الثانية الأحدث تعتمد على مبدأ التعلم العميق ولا تحتاج لطبيب أشعة يخبر اللوغاريثمات ماذا يجب أن تبحث عنه تحديدا. أشهر الطرق لتحليل الصور باستخدام التعلم العميق هي باستخدام الشبكات العصبية الالتفافية convulotional neural networks. هنا يقوم المهندسون أيضا بإعطاء هذا العقل الإلكتروني الملايين من الصور مع إخباره فقط بالطبيعي من غير الطبيعي منها. يتكون اللوغاريثم من عدة مراحل. تبدأ الأولى منها بتحليل كامل بيانات الصورة والتعرف على أي دلالات مفيدة للتشخيص. ثم يتم جمعها واختيار الأفضل منها من ناحية تحليلية في المرحلة الثانية، يتبعها تصنيف هذا الدلالات بناء على طبيعتها المرضية أو الطبيعية في آخر مرحلة.

بما أن التدخل البشري هنا محدود، تظهر لنا علامات جديدة دقيقة للغاية لايمكن لعين طبيب الأشعة تمييزها. وهذا يفتح باب واسع لفهم طبيعة الأورام في صور الأشعة على سبيل المثال.

هذه الطريقة من التعلم باستخدام الشبكات العصبية نفس الطريقة التي استخدمتها جوجل لبرمجة لوغاريثمات تغلبت على أفضل اللاعبين البشر في لعبة الشطرنج. فكل ما احتاجه العقل الإلكتروني هو أن يلعب ملايين المرات مع نفسه لمدة أربعة ساعات فقط ليتغلب على العقل البشري. لذلك طريقة التعلم العميق توفر الوقت في تخصص الأشعة لأنه لايتوجب على طبيب الأشعة تحديد أبعاد الورم مثلا ليتعرف عليها اللوغاريثم، بعكس الطريقة الأولى.

من مميزات الذكاء الاصناعي أنه لايحتاج لقراءة نفس الصور التي نراها نحن. بل بإمكانه قراءة Sinogram في الأشعة المقطعية والـ k-space في الرنين المغناطيسي وبيانات RF في الموجات فوق الصوتية.

الفرق بين قدرتك البشرية لقراءة المعلومات الإشعاعية وقدرة الذكاء الاصطناعي.
الفرق بين قدرتك البشرية لقراءة المعلومات الإشعاعية وقدرة الذكاء الاصطناعي.*

ماهي تطبيقاته في الأشعة الموجودة على أرض الواقع؟

اليوم مستشفيات دولة الإمارات تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأشعة لتشخيص مرض السل كما صرح عمر سلطان وزير دولة الإمارات للذكاء الاصناعي. كلفهم تطبيق هذا النظام مجرد 200 ألف ريال سعودي وقلل قراءة الأشعة من ٦ دقائق (متوسط وقت قراءة طبيب الأشعة) إلى ثانيتين فقط!

يوجد حاليا أكثر من 40 شركة تعمل لتطوير الذكاء الاصطناعي في تخصص الأشعة. بدأت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA في عام 2017 باعتماد عدد من تقنيات هذه الشركات. التقنيات المذكورة بالأسفل متوفرة بشكل تجاري ومطبق بعضها بشكل إكلينيكي على أرض الواقع.

  • أول اعتماد كان من نصيب شركة Aidoc لتقنيتها التي تنبه طبيب الأشعة لحالات النزيف الدماغي الحرجة في صور الأشعة المقطعية التي تتطلب عنايته فورا لإخبار الطبيب المعالج.
  • تقنية الذكاء الاصطناعي SubtlePET بإمكانها جعل فحوصات PET أسرع بمعدل أربعة مرات. هذه التقنية حصلت على اعتماد FDA في ديسمبر 2018.

Image result for SubtlePET

  • شركة Zebra Medical Vision قدمت تقنيتها التي تستطيع قياس احتمالية الإصابة بمرض الشريان التاجي Coronary artery disease باستخدام الأشعة المقطعية وبدون صبغة عن طريق قياس التكلسات على جدران الوريد.

 

  • شركة Qure.ai الهندية من أشهر الشركات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي في الأشعة. لديهم لوغاريثمات تتعرف على أكثر من تسعة مظاهر مرضية في صور أشعة الصدر مثل مرض السل وتضخم القلب والتليف. تقنياتهم يمكنها أيضا الكشف عن النزيف الدماغي في الأشعة المقطعية. الأدلة على جودة لوغاريثماتهم قوية وتم نشرها في أفضل المجلات العالمية مثل The Lancet.

    Extradural hemorrhage
    الكشف عن Extradural hemorrage باستخدام الذكاء الاصطناعي.*
  • أما تقنية Accipio Ix من شركة MaxQ AI فيمكنها الكشف عن النزيف الدماغي في صور الأشعة المقطعية في ثوان معدودة وتنبيه طبيب الأشعة عنها بشكل عاجل.

 

  • أخيرا شركة Imagen الأمريكية أطلقت تقنيتها OsteoDetect لكشف كسور المعصم في الأشعة السينية.

Image result for osteodetect

ماهي عيوب وسلبيات الذكاء الاصطناعي في الأشعة؟

يتميز العقل والعين البشرية بفعالية عالية في تمييز الأخطاء artifacts في الصورة. على النظير، قد يفشل العقل الاصطناعي من تمييز الخطأ إذا كان خطأ بالفعل أو شكل يدل على مرض معين!* إضافة إلى ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي مميز في عمل مهام محددة في نطاق ضيق (Narrow task-specific AI) ولكنه فاشل لعمل أكثر من مهمة في نفس الوقت (حاليا على الأقل). فلا يوجد في الحاضر أداة تقيم جميع النواحي المرضية في صورة الأشعة باستخدام الذكاء الاصطناعي.

من الأشياء التي يعاني مهندسو الذكاء الاصطناعي استيعابها هو أنه يوجد منطقة رمادية واسعة في تخصص الأشعة والطب عموماً. فلا يمكن الجزم في عدد كبير من صور الأشعة بأن التغير الغريب يدل على تغير طبيعي أو مرضي. وهذا يشكل عائق أمامهم في تطوير اللوغاريثمات التي تفضل أن يكون الشيء إما 0 أو 1.

عدد من المظاهر المكتشفة الجديدة، خاصة باستخدام التعلم العميق، يعتبرها أطباء الأشعة مظاهر غير دقيقة لايمكن الاعتماد عليها بسبب عدم ارتباطها بمظهر إكلنيكي حقيقي وإنما هي نتيجة لخطأ artifact في الصورة على سبيل المثال. ولكن البعض يقول بأن عقل الآلة تعرف على مظاهر أبعد من استيعاب البشر في مثل هذه الحالات وبأنها مظاهر حقيقية وصحيحة. خاصة وأن عدد من الأبحاث أثبتت بأن الذكاء الاصطناعي باستخدام التعلم العميق (تدخل بشري محدود) تفوق على طريقة تعليم الآلة في الذكاء الاصطناعي.

عيب آخر يجب ذكره هو أن برمجة لوغاريثمات تم تدريبها على قاعدة بيانات معينة قد يجعلها محترفة في تشخيص الأمراض الظاهرة في هذه البيانات فقط. بينما تعريضها لبيانات جديدة أخرى تختلف بشكل بشكل بسيط قد يجعلها تفشل في تقديم نفس الأداء السابق.

أخيراً، بعض المرضى لن يشعر بالارتياح إذا علم بأن من سيشخص صورته هو مجرد كمبيوتر! حتى وإن أخبرته بأن أداؤه مساو أو أفضل من الأداء البشري. هذه النقطة يجب أن تؤخذ بالحسبان.

هل سيستبدل الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟

Image result for artificial intelligence vs radiologist

في لقاء عام 2016, صرح عالم البيانات البرفيسور Hinton في أحد لقاءاته قائلاً.

“We should stop training radiologists right now!
It’s just completely obvious within five years that deep learning is going to do better than radiologists”

أثار تصريحه الكثير من الهلع والخوف. بدأنا بعدها بقراءة عناوين مثل “وظائفكم في خطر!”. ولكن السؤال، هل هذا الشيء صحيح؟

الجواب هو………. أن هذا محتمل، والله أعلم. وهذا ماصرحت به منظمات وأبحاث في مجلات معتبرة  ***. خاصة إذا استمرت الشركات بتقديم نتائج أدق وأسرع وأرخص بموثوقية وثباتية عالية. ففي الوقت الحالي لم يقدم الذكاء الاصطناعي أداء مماثل لطبيب الأشعة، بل تفوق عليه في العديد من الأبحاث. غالبية التطبيقات التي قرأتها بالأعلى أوضحت نتائجها تفوِق الآلة على الإنسان.

لكن فئة أطباء الأشعة المتوقع استبدالهم هم قليلو الخبرة أو التخصص. يقول البعض بأننا سنبدأ برؤية مظاهر استبدال طبيب الأشعة بحلول عام 2022 وستتضح الصورة بشكل كبير بعام 2030. يتوقع آخرون بأن يتفرغ طبيب الأشعة ذو الخبرة لتشخيص الفحوصات المعقدة ويكتفي بمراجعة تقارير الذكاء الاصطناعي للفحوصات الروتينية.

يتوقع الدكتور Bluemke محرر مجلة Radiology بأنه سيكون هناك نوعان أطباء الأشعة، ١-من يعزز عمله اليومي باستخدام الذكاء الاصطناعي. ٢-من يستبدله الذكاء الاصطناعي لأنه تأخر أو رفض تبني هذه التقنية في عمله *.

أما بالنسبة لأطباء الأشعة التداخلية فاطمئنوا تماما،، أنتم في أمان. 🙂

Image result for radiology artificial intelligence

ماذا عن أخصائيي تقنية الأشعة الطبية؟

أطلقت Siemens تقنية جديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي تقوم بتحليل تموضع المريض positioning في فحوصات الأشعة المقطعية بدقة عالية باستخدام كاميرات ثلاثية الأبعاد. سيقوم الجهاز بإخبار الأخصائي إذا كان تموضع المريض صحيح أو يحتاج لأن يلتف لليمين قليلا على سبيل المثال.

أما العملاق General Electric فقد أعلن عن تقنيته AIRx والتي تقوم بتحديد عدد وتوجيه الشرائح في الرنين المغناطيسي بدون الحاجة للأخصائي. هذه العملية التي تعتبر من صلب مهام عمل أخصائي الأشعة أصبحت في خطر أيضا. ولكن الجانب الآخر من المعادلة يقول بأن تخطيط الصور سيصبح أكثر ثباتا وموثوقية إذا أبعدنا التدخل البشري عنه.

من المتوقع بقاء العنصر البشري في تقنية الأشعة الطبية لسنوات عديدة، خاصة وأن تعامل أخصائي الأشعة مع المريض يتطلب تواصل مباشر لشرح الفحوصات وطمأنته. هذه المشاعر البشرية لايبدو بأن الذكاء الاصطناعي قادر على استبدالها في الوقت الحالي على الأقل. توقع الدكتور Hugh Harvey (أحد أطباء الأشعة المتخصصين في الذكاء الاصطناعي) في مؤتمر ECR2019 احتمالية توسع دور الأخصائي لتشخيص صور الأشعة بمساعدة الذكاء الاصطناعي في حال كانت أداؤهم لا يقل عن طبيب الأشعة.

يجب أن أشير إلى أن التقنيات الحديثة، وخاصة في الأشعة المقطعية، قللت دور أخصائي الأشعة  بشكل كبير. غالبية القرارات لإجراء الفحص يحددها الجهاز نيابة عن الأخصائي. وتقنيات الذكاء الاصطناعي القادمة قد تقلل تدخل الأخصائي أيضا في ضبط الجرعات وجودة الصور.

وهذه رسالة لي وللزملاء الأكاديميين في تخصص تقنية الأشعة الطبية بأنه يجب أن نركز على تأهيل أخصائيين مسلحين بمعرفة هذه العلوم الحديثة وكيفية التعامل معها وتطويرها لكي لا يتحول دور أخصائي الأشعة مستقبلا إلى مجرد موظف يرحب بالمريض ويضغط عدة أزرار ثم يودعه. يمكننا تحقيق هذا الهدف بمراحل عديدة بدءاً من عقد ندوات علمية عن مستقبل التخصص في ضوء هذه التغيرات وانتهاءاً بتطوير المناهج لتحتوي على الجديد من هذه التقنيات.

الخلاصة

تقدم الذكاء الاصطناعي الهائل وجودته كفيلة بتغيير طريقة عملنا في أقسام الأشعة الطبية بشكل جذري. هذا يعني بأن علينا أن نسبق ونواكب تطور الذكاء الاصناعي.

أعتقد على المستوى الشخصي بأن العديد من وعود الذكاء الاصطناعي التي نراها اليوم قد لانجدها على أرض الواقع بعد ١٠ سنوات.  ولكني أعتقد وبقوة بأن أطباء الأشعة محدودي الخبرة وضعيفي التخصص سيتم الاستغناء عنهم لصالح لوغاريثمات تعمل بشكل أدق وأسرع ولا تحتاج لإجازة! هذا أيضا ينطبق على من يرفض أو يتجاهل تبني هذه التقنيات لتعزيز سير وجودة عمله. هذا الاستغناء سيأتي من إدارات عليا تسعى لرفع التعاون بين الذكاء الاصطناعي وطاقم الأشعة لمافيه مصلحة المريض.

ولكن يجب أن نتذكر أننا كبشر سيئون جداً في توقع المستقبل. كل شيء قابل للحدوث، والمعرفة لله وحده سبحانه.

المؤكد هو أنه يجب على وزارة الصحة وأقسام الأشعة في مملكتنا الحبيبة توفير البنية التحتية وتجهيز التشريعات وطريقة سير العمل المطلوبة لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في مستشفياتنا. ولكني أعتقد بأن الواجب الأكبر هو علينا في المجال الأكاديمي لتجهيز الكادر الإشعاعي للتعرف على هذه التقنيات والتعامل معها.

 


لمتابعة الجديد حول الذكاء الصطناعي في تخصص الأشعة، أنصحك بزيارة هذه الصفحات:

https://pubs.rsna.org/journal/ai

https://www.itnonline.com/channel/artificial-intelligence

https://www.auntminnie.com/index.aspx?sec=sup&Sub=aic

Facebook
Telegram
LinkedIn
Twitter
WhatsApp

ربما يعجبك أيضا